ما معنى قوله تعالى : ((ولنبلونكم بشيء من الخـوف والجوع ونـقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين))
انت في الصفحة 2 من صفحتين
وأما من وفقه الله للصبر عند وجود هذه المصائب ، فحــبس نفسه عن التسـخط قولا وفعلا ، واحتسب أجرها عند الله ، وعلم أن ما يدركه من الأجر بصبره أعظم من المــصيبة التي حصلت له ، فهذا قد صارت المــصيبة نعمة في حقه ، فلهذا قال تعالى : ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) أي : بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغـير حساب .
ثم وصف الله الصابرين بقوله : ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ ) وهي كل ما يؤلم القلب أو البدن أو كليهما مما تقدم ذكره .
( قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ ) أي : مملوكون لله ، مدبرون تحـت أمره وتصريفه ، فليس لنا من أنفسنا وأموالنا شيء ، فإذا ابتــلانا بشيء منها فقــد تصرف أرحم الراحمين بمماليكه وأموالهم ، فلا اعـتراض عليه ، بل من كمال عبودية العبد علمه بأن وقــوع البلية من المالك الحكيم ، الذي هو أرحم بعبده من نفسه ، فيوجب له ذلك الرضا عن الله ، والشكر له على تدبيره ، لما هو خير لعبده ، وإن لم يشعــر بذلك .
ومع أننا مملوكون لله : فإنا إليه راجعون يوم المعاد ، ليجازي كل عامل بعمله ، فإن صبرنا واحتسبنا وجدنا أجرنا موفورا عنده ، وإن جـزعنا وسخـطنا ، لم يكن حظنا إلا السخــط وفوات الأجر ، فكون العبد لله ، وراجـع إليه ، من أقــوى أسباب الصبر .
( أُولَئِكَ ) الموصوفون بالصبر المذكور ( عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ ) أي : ثناء وتنويه بحالهم ( وَرَحْمَةٌ ) عظيمة ، ومن رحمته إياهم ، أن وفقهم للصبر الذي ينالون به كمال الأجر ،
( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) الذين عرفوا الحق : وهو في هذا الموضع علمهم بأنهم لله ، وأنهم إليه راجعون ، وعملوا به : وهو هنا صبرهم لله .
وأن هذا الابتــلاء والامتحان سنة الله التي قد خلت ، ولن تجد لسنة الله تبديلا .